بسمك اللهم
ما سأكتبه .... ليس وليد خيال .. ولا ابداع لقلم .. ولكنها .. قصة .. كنت
شاهدا على كل احداثها ...
" ركب الحافلة ... في رحلة الذهاب الى عمله .. اخذ مكانه بين الركاب .. على
مقعد يقترب من المقدمة .. وكما تعود .. قام بحجز المقعد المجاور له ..
فالرحلة طويلة ومرهقة .. وهو لا يريد ان ينام معظمها ....
جلس على المقعد .. وامسك بجريدة اشترها .. لتضيع له بعض الوقت .. تصفحها في
عجالة .. ثم ... طرحها جانبا .. واغمض عينيه .... واوهم نفسه بالنعاس ...
وراح يداعب الاحلام... همست له بصوت جاف ... " هل تسمح لي بالجلوس .. ام
انك اشتريت الحافلة بما فيها "
فتح عينيه .. ونظر اليها نظرة تحمل في طياتها كل معاني التجاهل .. واغمض
عينيه مرة اخرى .. فأعادة عليه همساتها الجافة ..." ليس من الذوق ان تأخذ
مقعدين .. وتتركني واقفة هكذا .. "
رد بدون ان يعيرها اي اهتمام او التفاته " هذا الجزء من الحافلة ملك لي الى
نهاية الرحلة .. ابحثي لك عن مكان اخر "
اراحت قدميه واخذت مكانها على الكرسي المجاور له وجلست بعد ان اثارته
بكلمات قليلة " عديم الذوق"
فتح عينيه مرة اخرى .. ونظر اليها بكل حدة ... وهم بأن يمطرها بوابل من
الكلمات القاسية .. ولكن منعه ..التقاء الاعين ...
صمت مرغما .... فلقد رأى عينين .. لم يراهما طوال حياته ... لم يستطع الا
ان يشكرها على ما قالته من كلمات
سرعان ما انطلقت الحافلة .. تحملهما معا في رحلة قد تمتد الى ما يقرب من
عشر ساعات
ظل صامتا ... يسرق نظرات الى وجهها الذي تكسوه الرقة .. والغريب .. انه احس
بأنها ترميه بنظراتها من آن الى اخر
" مرحبا بك سيدي ... نتمنى ان تسعد بالرحلة ... عفوا سيدتي .. هذا ليس
مقعدك .. ان السيد قام بحجز المقعدين معا " كان هذا ما قاله الموظف المنظم
للرحلة
نظرت اليه والاحراج يخترقها ..
" عفوا سيدي ... ظننت بأن هذا المقعد ليس شاغرا ...وانا اعاني من الدوار في
المقاعد المتأخرة .. عفوا على كلماتي القاسية .. اسمح لي ان انتقل الى اي
مقعد اخر "
" وكيف اتركك ترحلين بتلك السهولة .. لقد بحثت عنك كثيرا .. حتى وجدتك ..
فكيف لي ان اتركك "
غازلها فيما يشبه المرح ... وامسك بخيط الحديث معها .... وبدأ معها الحوار
.. الذي تعمق دون ان يدركا القدر قد خلق هذا الموقف ... ليعلن ميلاد قصة حب
رائعة ..نادرة الحدوث في تلك الدنيا
انتهت الرحلة .. بعد ان تجاذبا اطراف الحديث .. وتعرفا تعرفا شبه تاما ..
وافترقا على موعد بلقاء اخر .. والتقيا .. وتوالت اللقاءات ... وكان كل
لقاء يجمعهما .. يزيد من ارتباطهما معا .. وتتعمق قصة الحب بينهما
اتصل بها يوما .. ليخبرها .. بأنه قد اخبر والدته ووالده بها ..وانه سوف
يصحبها اليوم الى منزل عائلته ...
وبالفعل .. اسطحبها الى منزل عائلته... وهناك . قابلته امه .. تلك السيدة
الريفية .. التي تتحدث بالفطرة .. ووالده .. ذلك الرجل المكافح .. الذي
استطاع بكفاحه .. ان يحتل مكانا مرموقا في عمله ... واخوته واخواته ..
قابلهوا بحب طاغ ... وتعاملوا معها كأنها واحدة منهم .. واحتضنتها الام ...
واغرقتها بوابل من القبلات ...
جلست طيلة اليوم مع اهله .. يتبادلون الحديث ... وفي نهاية اليوم.. طلبت
الام من تلك الفتاة ان تحدد موعدا مع والدها .. حتى يتقدموا بطلب الزواج
منها لابنهم ...
ارتسمت السعادة في عيون الفتاة ... واخبرت الام . بأنها سوف تتصل بها ..
لتخبرها بالموعد ... وانها بعد شهور قليلة ..ستعيش معها ... فلقد احبتها
كوالدتها .....
اخذها ... واوصلها الى اقرب مكان من منزلها ... وافترقا .. على موعد بلقاء
يقربهما اكثر واكثر
وتم تحديد موعد الزيارة ... وارتدى الفتى افضل ما عنده من ثياب . وصاحبته
امه ووالده .. في زيارة الى والد الفتاة ..
وصلوا الى منزل والده ... وكم كان اعجابهم بهذا الثراء الواضح على ملامح
المنزل من الخارج ... وادهشهم اكثر واكثر .... تلك الملامح التي تنم على
ثراء فاحش داخل المنزل
دخل عليهم رجل يتجمل بالوقار ... تصاحبه امرأة ...يبدو على ملامحها عدم
الرضا
تحدثا ... وطلب الوالد من والد الفتاة يد ابنته لابنه ... لم يبد والد
الفتاة اي اعتراض .. بل كان من المرحبين بالموضوع ...
وظن الفتى .. بأن ابواب السماء قد فتحت له .. وان السعادة باتت اقرب كثيرا
مما يتخيل
حتى اخرجته والدتها من احلامه ... " واين ستعيش ابنتي , وهل ستوفر لها نفس
مستوى المعيشة الذي تعودته ، وكم ستقدم لها من مهر ..، والشبكة .. هل انت
قادرا على تقديم شبكة تناسب مستواها "
وانطلقت الام تعدد مطالبها .. وكان واضحا ... بأن كل مطالبها .. ما هي الى
قيود تعجيزية ... ورفض مقنع لهذا الحب
صدم الفتى واسرته مما قالته الام ... ثم سرعان ما اصابهم الخذلان...
واستأذن الفتى من والد الفتاة وامها ... وهم بالانصراف حتى يجنب اهله
الاحراج
وقبل ان ينصرف ... نادته والدة الفتاة
" بني .. لا طاقة لك على الزواج من ابنتي .. ولتعلم .. ابنتي سيتزوجها ابن
اختي ... ابتعد عنها .. فقربها منك .. سيحمل لها التعاسة ...سيذوب الحب
يوما .... ولن يبقى الا ذلك الفارق الرهيب في المستوى .. فكر جيدا ... "
وتركته يتألم من كلماتها القاسية ... واصطحب امه وابيه .. وعاد الى منزله
...عاد والحزن يلازمه بلا فراق ....
دخل غرفته ... بعد ان اعياه الصمت وارهقته محاولات الام والاب في التخفيف
عنه
وبعد منتصف الليل .. اذ بزائر على باب المنزل ... فتحت الام ... فوجدت
الفتاة .. تحمل في يدها حقيبة ملابسها ...
ارتمت الفتاة في حضن الام ... " امي ..سأتزوجه . حتى وان لم يرض اهلي بذلك
الزواج ... انا احبه ... ولن اضحي به من اجل اي شئ ... لقد هربت من منزلي
.. وها انا بينكم .... فهل يتسع منزلكم لي "
احتضنت الام الفتاة .. واحتوتها .. بدفء مشاعرها الرقيقة ..
خرج الفتى ... وقد سمع كل كلماتها .. شعر بالسعادة تعود اليه من جديد ...
نظر اليها مبتسما .... ادخلي غرفة امي ... لتنامي ... وغدا .. نتحدث
دخلت الفتاة مع الام ... واحتضنتها احتضان طفل لامه .. وارتوت في حضنها ...
من حنان افتقدته في حضن امها
وفي الصباح ...
طلب منها ان ترتدي ملابسها .. وحمل عنها حقيبتها ... وخرجا سويا ...
ركب سيارته .. وراح يطوي المسافات ... حتى توقف امام منزل حبيبته ... وبصمت
قاتل ... اخذها .. وادخلها منزل والدها .... نظرت اليه في عتاب
" لماذا فعلت هذا ؟ الم تعد تحبني ؟ ابتلك البساطة تعيدني الى اهلي ؟"
" حبيبتي ... لن ارضى لك المهانة يوما ... لن اجعلك تفقدين سمعتك واهلك من
اجل حبي . لن اضحي بك حتى اسعد انا ... سأحارب من اجلك .. ولكني اأبا ...
انا اضعك في هذا الموقف المهين"
خرجت الام واسرعت الى ابنتها ... فصفعتها .... ثم ما لبثت ان احتضنتها ...
نظرت الفتاة الى حبيبها .. " اذا انت من اخترت ... سأتزوج من اختارته امي
.. سأفرح ... سأنجب.. سأحيا حياتي .. اما انت .... فلن تعرف طعما للحياة من
غيري ... ولا تحاول ان تتنفس مرة اخرى .. فأنفاسك .... قد فارقتك .. عندما
تنازلت عني"
تركها ورحل الى منزله ... وبعد عدة ايام .. وجد ساعي البريد يحمل اليه خطاب
.. لم يكن هذا الخطاب .. الا دعوة الزفاف ... زفاف حبيبته ...
نظر الى تلك الدعوة ... ورسم على وجهة ضحكة كاذبة ..
ثم سرعان ما غادر منزله .. وهناك .. في ذلك المكان الذي شهد على حبهما .
اخذ يبكي بحرقة . حتى ارهقه البكاء . وشعر بأن انفاسه تغادره ...
عاد مسرعا الى منزله ... وتلك الالام لا تغادر صدره
وفي ليلة الزفاف ... ارتدى افخم ملابسه .. وركب سيارته ... وطوى الطريق الى
مكان الزفاف ... وعجبا .. بأنه شعر بنفس الالام تخترق صدره
وقعت عيناه عليها ...
لقد كان نفس المكان الذي اتفقا يوما ان يقيما فيه حفل زفافهما .. ارتدت نفس
الفستان الذي اختاره لها يوما .. حتى غريمه ... ارتدى نفس الحلة التي صممت
ان يرتديها هو في حفل الزفاف
لقد كان كل شئ يتفق مع ما اختاراه .. بأستثناء شئ واحد.. انه الزوج
فلقد احتل اخر مكانه بجانبها
اشتد عليه الالم ... وشعر بأنه في حاجة الى الراحة .. ولكن ..أي راحة
ينشدها ... وحبيبته .. ستصبح ملكا لغيرة بعد لحظات قليلة
تحامل على آلامه ... وانتظر ما تبقى من مراسم الزفاف .. حتى ركبت العروس
سيارتها .. وذهبت الى منزلها الجديد ...
ركب سيارته ... وتابعها في صمت .... وهي بين اللحظة والاخرى .. تنظر خلفها
عبر زجاج سيارتها .. لتلقيه ببسمة .. تنهش ما تبقى له من روح ...
ظل واقفا تحت منزلها حتى اشرقت شمس يوم جديد
لم يستطع تحمل المزيد من الالم .... عاد الى منزله ... وبمجرد ان دخل من
الباب ... وقع مغشيا عليه من شدة الالم
" انها حالة متأخرة من سرطان الرئة ... لا امل في الشفاء ... انها مجرد
ايام ... يحيها هذا الشاب المسكين .. ادعوا له ان يخفف الله عنه الالم ...
وان يريحه بموت هادئ "
كانت تلك كلمات الطبيب الى اسرته .... وقعت عليهم كالكارثة .. فها هم ...
يرون اجمل نجوم سمائهم .. وقد اوشك على الرحيل ... ليعلن برحيله .. حلول
ظلام دامس ...
ادرك الفتى حقيقة حالته .... وادرك بأن حياته قد اوشكت على الانتهاء
وبعد مرور فترة ليست بالطويلة .... شعر هذا الفتى بدنو الاجل .. ارتدى
ملابسه .. وقد اعياه المرض .. وطلب من امه ان تصاحبه في زيارة لابد له ان
يقوم بها
خرجت الام مع ابنها .. وانطلقا الى اسفل منزل حبيبته .... وجلس بمقربة منه
... تحت ظل شجرة صغيرة
" امي ... سأرحل قريبا .... فلا تحزني ... انه قدر قد كتب علي ... فقط ...
ادعو لي بالرحمة ... ..ولا تحرميني زيارتك ... "
بكت الام كما لم تبك من قبل ... وانحنت على يد ابنها تقبلها ... واحست
برجفة في بدن ابنها .. نظرت اليه ... فأذا بعينيه معلقة على ذلك المنزل
المقابل لتلك الشجرة
نظرت الى المنزل .. فأذ بالفتاة تقف في نافذة المنزل .. تنظر والبسمة تزين
وجهها ... بسمة لا تحمل الا السخرية والقسوة
اقسمت الام على ابنها بالرحيل ...ورحلا الى المنزل
وفي منتصف الليل ... نادى الابن امه .. قبل يديها ..وبصوت واهي ...
" امي ... ان قابلتيها يوما .. اخبريها .. بأنني احببتها ... ولم يستطع
قلبي ان يعصي لها امرا .. اخبرتني يوما .. بأنها ستتزوج ,, وتنجب .. وتحيا
في سعادة .. اما انا ... فسوف تنقطع انفاسي عن الدنيا بمجرد مفارقتها ..
امي .. اخبريها بأنني احببتها بصدق ... ولم يستطع قلبي ان يدق لسواها .
اخبريها .. بأنني عشقتها حد الموت ... بخلت الدنيا علي بحبها .... فلم يكن
نصيبي من دنيتي الا الموت "
وصمت .... صمت الى الابد ... صمت .. ليعلن بصمته رحيله عن تلك الدنيا ..
صمت .. لينطق صوت الحب ... بأن هناك قلوبا نقية ... تحب .. تعشق ... تهب
نبضاتها الى من تحبه ... قلوب لا تعرف الحياة الى في صدور من تحبهم ...
فأن ضاقت بهم تلك الصدور ... فلا حياة لهم على هذه الارض
ما سأكتبه .... ليس وليد خيال .. ولا ابداع لقلم .. ولكنها .. قصة .. كنت
شاهدا على كل احداثها ...
" ركب الحافلة ... في رحلة الذهاب الى عمله .. اخذ مكانه بين الركاب .. على
مقعد يقترب من المقدمة .. وكما تعود .. قام بحجز المقعد المجاور له ..
فالرحلة طويلة ومرهقة .. وهو لا يريد ان ينام معظمها ....
جلس على المقعد .. وامسك بجريدة اشترها .. لتضيع له بعض الوقت .. تصفحها في
عجالة .. ثم ... طرحها جانبا .. واغمض عينيه .... واوهم نفسه بالنعاس ...
وراح يداعب الاحلام... همست له بصوت جاف ... " هل تسمح لي بالجلوس .. ام
انك اشتريت الحافلة بما فيها "
فتح عينيه .. ونظر اليها نظرة تحمل في طياتها كل معاني التجاهل .. واغمض
عينيه مرة اخرى .. فأعادة عليه همساتها الجافة ..." ليس من الذوق ان تأخذ
مقعدين .. وتتركني واقفة هكذا .. "
رد بدون ان يعيرها اي اهتمام او التفاته " هذا الجزء من الحافلة ملك لي الى
نهاية الرحلة .. ابحثي لك عن مكان اخر "
اراحت قدميه واخذت مكانها على الكرسي المجاور له وجلست بعد ان اثارته
بكلمات قليلة " عديم الذوق"
فتح عينيه مرة اخرى .. ونظر اليها بكل حدة ... وهم بأن يمطرها بوابل من
الكلمات القاسية .. ولكن منعه ..التقاء الاعين ...
صمت مرغما .... فلقد رأى عينين .. لم يراهما طوال حياته ... لم يستطع الا
ان يشكرها على ما قالته من كلمات
سرعان ما انطلقت الحافلة .. تحملهما معا في رحلة قد تمتد الى ما يقرب من
عشر ساعات
ظل صامتا ... يسرق نظرات الى وجهها الذي تكسوه الرقة .. والغريب .. انه احس
بأنها ترميه بنظراتها من آن الى اخر
" مرحبا بك سيدي ... نتمنى ان تسعد بالرحلة ... عفوا سيدتي .. هذا ليس
مقعدك .. ان السيد قام بحجز المقعدين معا " كان هذا ما قاله الموظف المنظم
للرحلة
نظرت اليه والاحراج يخترقها ..
" عفوا سيدي ... ظننت بأن هذا المقعد ليس شاغرا ...وانا اعاني من الدوار في
المقاعد المتأخرة .. عفوا على كلماتي القاسية .. اسمح لي ان انتقل الى اي
مقعد اخر "
" وكيف اتركك ترحلين بتلك السهولة .. لقد بحثت عنك كثيرا .. حتى وجدتك ..
فكيف لي ان اتركك "
غازلها فيما يشبه المرح ... وامسك بخيط الحديث معها .... وبدأ معها الحوار
.. الذي تعمق دون ان يدركا القدر قد خلق هذا الموقف ... ليعلن ميلاد قصة حب
رائعة ..نادرة الحدوث في تلك الدنيا
انتهت الرحلة .. بعد ان تجاذبا اطراف الحديث .. وتعرفا تعرفا شبه تاما ..
وافترقا على موعد بلقاء اخر .. والتقيا .. وتوالت اللقاءات ... وكان كل
لقاء يجمعهما .. يزيد من ارتباطهما معا .. وتتعمق قصة الحب بينهما
اتصل بها يوما .. ليخبرها .. بأنه قد اخبر والدته ووالده بها ..وانه سوف
يصحبها اليوم الى منزل عائلته ...
وبالفعل .. اسطحبها الى منزل عائلته... وهناك . قابلته امه .. تلك السيدة
الريفية .. التي تتحدث بالفطرة .. ووالده .. ذلك الرجل المكافح .. الذي
استطاع بكفاحه .. ان يحتل مكانا مرموقا في عمله ... واخوته واخواته ..
قابلهوا بحب طاغ ... وتعاملوا معها كأنها واحدة منهم .. واحتضنتها الام ...
واغرقتها بوابل من القبلات ...
جلست طيلة اليوم مع اهله .. يتبادلون الحديث ... وفي نهاية اليوم.. طلبت
الام من تلك الفتاة ان تحدد موعدا مع والدها .. حتى يتقدموا بطلب الزواج
منها لابنهم ...
ارتسمت السعادة في عيون الفتاة ... واخبرت الام . بأنها سوف تتصل بها ..
لتخبرها بالموعد ... وانها بعد شهور قليلة ..ستعيش معها ... فلقد احبتها
كوالدتها .....
اخذها ... واوصلها الى اقرب مكان من منزلها ... وافترقا .. على موعد بلقاء
يقربهما اكثر واكثر
وتم تحديد موعد الزيارة ... وارتدى الفتى افضل ما عنده من ثياب . وصاحبته
امه ووالده .. في زيارة الى والد الفتاة ..
وصلوا الى منزل والده ... وكم كان اعجابهم بهذا الثراء الواضح على ملامح
المنزل من الخارج ... وادهشهم اكثر واكثر .... تلك الملامح التي تنم على
ثراء فاحش داخل المنزل
دخل عليهم رجل يتجمل بالوقار ... تصاحبه امرأة ...يبدو على ملامحها عدم
الرضا
تحدثا ... وطلب الوالد من والد الفتاة يد ابنته لابنه ... لم يبد والد
الفتاة اي اعتراض .. بل كان من المرحبين بالموضوع ...
وظن الفتى .. بأن ابواب السماء قد فتحت له .. وان السعادة باتت اقرب كثيرا
مما يتخيل
حتى اخرجته والدتها من احلامه ... " واين ستعيش ابنتي , وهل ستوفر لها نفس
مستوى المعيشة الذي تعودته ، وكم ستقدم لها من مهر ..، والشبكة .. هل انت
قادرا على تقديم شبكة تناسب مستواها "
وانطلقت الام تعدد مطالبها .. وكان واضحا ... بأن كل مطالبها .. ما هي الى
قيود تعجيزية ... ورفض مقنع لهذا الحب
صدم الفتى واسرته مما قالته الام ... ثم سرعان ما اصابهم الخذلان...
واستأذن الفتى من والد الفتاة وامها ... وهم بالانصراف حتى يجنب اهله
الاحراج
وقبل ان ينصرف ... نادته والدة الفتاة
" بني .. لا طاقة لك على الزواج من ابنتي .. ولتعلم .. ابنتي سيتزوجها ابن
اختي ... ابتعد عنها .. فقربها منك .. سيحمل لها التعاسة ...سيذوب الحب
يوما .... ولن يبقى الا ذلك الفارق الرهيب في المستوى .. فكر جيدا ... "
وتركته يتألم من كلماتها القاسية ... واصطحب امه وابيه .. وعاد الى منزله
...عاد والحزن يلازمه بلا فراق ....
دخل غرفته ... بعد ان اعياه الصمت وارهقته محاولات الام والاب في التخفيف
عنه
وبعد منتصف الليل .. اذ بزائر على باب المنزل ... فتحت الام ... فوجدت
الفتاة .. تحمل في يدها حقيبة ملابسها ...
ارتمت الفتاة في حضن الام ... " امي ..سأتزوجه . حتى وان لم يرض اهلي بذلك
الزواج ... انا احبه ... ولن اضحي به من اجل اي شئ ... لقد هربت من منزلي
.. وها انا بينكم .... فهل يتسع منزلكم لي "
احتضنت الام الفتاة .. واحتوتها .. بدفء مشاعرها الرقيقة ..
خرج الفتى ... وقد سمع كل كلماتها .. شعر بالسعادة تعود اليه من جديد ...
نظر اليها مبتسما .... ادخلي غرفة امي ... لتنامي ... وغدا .. نتحدث
دخلت الفتاة مع الام ... واحتضنتها احتضان طفل لامه .. وارتوت في حضنها ...
من حنان افتقدته في حضن امها
وفي الصباح ...
طلب منها ان ترتدي ملابسها .. وحمل عنها حقيبتها ... وخرجا سويا ...
ركب سيارته .. وراح يطوي المسافات ... حتى توقف امام منزل حبيبته ... وبصمت
قاتل ... اخذها .. وادخلها منزل والدها .... نظرت اليه في عتاب
" لماذا فعلت هذا ؟ الم تعد تحبني ؟ ابتلك البساطة تعيدني الى اهلي ؟"
" حبيبتي ... لن ارضى لك المهانة يوما ... لن اجعلك تفقدين سمعتك واهلك من
اجل حبي . لن اضحي بك حتى اسعد انا ... سأحارب من اجلك .. ولكني اأبا ...
انا اضعك في هذا الموقف المهين"
خرجت الام واسرعت الى ابنتها ... فصفعتها .... ثم ما لبثت ان احتضنتها ...
نظرت الفتاة الى حبيبها .. " اذا انت من اخترت ... سأتزوج من اختارته امي
.. سأفرح ... سأنجب.. سأحيا حياتي .. اما انت .... فلن تعرف طعما للحياة من
غيري ... ولا تحاول ان تتنفس مرة اخرى .. فأنفاسك .... قد فارقتك .. عندما
تنازلت عني"
تركها ورحل الى منزله ... وبعد عدة ايام .. وجد ساعي البريد يحمل اليه خطاب
.. لم يكن هذا الخطاب .. الا دعوة الزفاف ... زفاف حبيبته ...
نظر الى تلك الدعوة ... ورسم على وجهة ضحكة كاذبة ..
ثم سرعان ما غادر منزله .. وهناك .. في ذلك المكان الذي شهد على حبهما .
اخذ يبكي بحرقة . حتى ارهقه البكاء . وشعر بأن انفاسه تغادره ...
عاد مسرعا الى منزله ... وتلك الالام لا تغادر صدره
وفي ليلة الزفاف ... ارتدى افخم ملابسه .. وركب سيارته ... وطوى الطريق الى
مكان الزفاف ... وعجبا .. بأنه شعر بنفس الالام تخترق صدره
وقعت عيناه عليها ...
لقد كان نفس المكان الذي اتفقا يوما ان يقيما فيه حفل زفافهما .. ارتدت نفس
الفستان الذي اختاره لها يوما .. حتى غريمه ... ارتدى نفس الحلة التي صممت
ان يرتديها هو في حفل الزفاف
لقد كان كل شئ يتفق مع ما اختاراه .. بأستثناء شئ واحد.. انه الزوج
فلقد احتل اخر مكانه بجانبها
اشتد عليه الالم ... وشعر بأنه في حاجة الى الراحة .. ولكن ..أي راحة
ينشدها ... وحبيبته .. ستصبح ملكا لغيرة بعد لحظات قليلة
تحامل على آلامه ... وانتظر ما تبقى من مراسم الزفاف .. حتى ركبت العروس
سيارتها .. وذهبت الى منزلها الجديد ...
ركب سيارته ... وتابعها في صمت .... وهي بين اللحظة والاخرى .. تنظر خلفها
عبر زجاج سيارتها .. لتلقيه ببسمة .. تنهش ما تبقى له من روح ...
ظل واقفا تحت منزلها حتى اشرقت شمس يوم جديد
لم يستطع تحمل المزيد من الالم .... عاد الى منزله ... وبمجرد ان دخل من
الباب ... وقع مغشيا عليه من شدة الالم
" انها حالة متأخرة من سرطان الرئة ... لا امل في الشفاء ... انها مجرد
ايام ... يحيها هذا الشاب المسكين .. ادعوا له ان يخفف الله عنه الالم ...
وان يريحه بموت هادئ "
كانت تلك كلمات الطبيب الى اسرته .... وقعت عليهم كالكارثة .. فها هم ...
يرون اجمل نجوم سمائهم .. وقد اوشك على الرحيل ... ليعلن برحيله .. حلول
ظلام دامس ...
ادرك الفتى حقيقة حالته .... وادرك بأن حياته قد اوشكت على الانتهاء
وبعد مرور فترة ليست بالطويلة .... شعر هذا الفتى بدنو الاجل .. ارتدى
ملابسه .. وقد اعياه المرض .. وطلب من امه ان تصاحبه في زيارة لابد له ان
يقوم بها
خرجت الام مع ابنها .. وانطلقا الى اسفل منزل حبيبته .... وجلس بمقربة منه
... تحت ظل شجرة صغيرة
" امي ... سأرحل قريبا .... فلا تحزني ... انه قدر قد كتب علي ... فقط ...
ادعو لي بالرحمة ... ..ولا تحرميني زيارتك ... "
بكت الام كما لم تبك من قبل ... وانحنت على يد ابنها تقبلها ... واحست
برجفة في بدن ابنها .. نظرت اليه ... فأذا بعينيه معلقة على ذلك المنزل
المقابل لتلك الشجرة
نظرت الى المنزل .. فأذ بالفتاة تقف في نافذة المنزل .. تنظر والبسمة تزين
وجهها ... بسمة لا تحمل الا السخرية والقسوة
اقسمت الام على ابنها بالرحيل ...ورحلا الى المنزل
وفي منتصف الليل ... نادى الابن امه .. قبل يديها ..وبصوت واهي ...
" امي ... ان قابلتيها يوما .. اخبريها .. بأنني احببتها ... ولم يستطع
قلبي ان يعصي لها امرا .. اخبرتني يوما .. بأنها ستتزوج ,, وتنجب .. وتحيا
في سعادة .. اما انا ... فسوف تنقطع انفاسي عن الدنيا بمجرد مفارقتها ..
امي .. اخبريها بأنني احببتها بصدق ... ولم يستطع قلبي ان يدق لسواها .
اخبريها .. بأنني عشقتها حد الموت ... بخلت الدنيا علي بحبها .... فلم يكن
نصيبي من دنيتي الا الموت "
وصمت .... صمت الى الابد ... صمت .. ليعلن بصمته رحيله عن تلك الدنيا ..
صمت .. لينطق صوت الحب ... بأن هناك قلوبا نقية ... تحب .. تعشق ... تهب
نبضاتها الى من تحبه ... قلوب لا تعرف الحياة الى في صدور من تحبهم ...
فأن ضاقت بهم تلك الصدور ... فلا حياة لهم على هذه الارض